أسباب إنتشار السيارات الصينية في سوق السيارات السعودي
تعيش صناعة السيارات العالمية واحدة من أكثر مراحلها تبدلاً منذ عقود، مع تسارع صعود العلامات الصينية وتوسعها الكثيف في معظم الأسواق الدولية، فقد باتت الطرازات الصينية، بتنوعها وتعدد ماركاتها، تقتطع حصصاً واضحة من اللاعبين التقليديين سواء الأوروبيين أو الأمريكيين أو اليابانيين، وتكاد هذه الموجة أن تقلب ترتيب الصدارة في المبيعات العالمية، مع اقتراب بعض العلامات الصينية من إزاحة عمالقة الصناعة من مواقع تاريخية في القمة.
فلا يقتصر المشهد على منافسة تجارية عادية، بل يتصاعد إلى ما يشبه حرب بين قوة صينية تنمو بسرعة قياسية وتملك مقومات إنتاج وتقنيات وسلاسل إمداد ومواهب تصميم جعلتها في موقع هجومي، وبين شركات تقليدية تحاول الاتكاء على إجراءات حمائية أو صفقات اندماج واستحواذ لتأجيل فقدان نفوذها، وفي خلفية الصورة، تتمازج التوترات التجارية والقرارات الجمركية في أوروبا مع واقع سوق عالمي يزداد إقبالاً على سيارات الطاقة الجديدة.
تصفح أقوى عروض السيارات الصينية في السعودية
محتوى
انتشار السيارات الصينية في الخليج والسعودية تحديداً
تشهد دول الخليج تحولاً ملحوظاً في تفضيلات المستهلك نحو السيارات الصينية، مدفوعة بعوامل متعددة مثل الأسعار التنافسية، وجودة التصنيع المتنامية، والتصميم العصري، والتقنيات الحديثة، وقد أدّى ذلك إلى قفزات سريعة في الحصص السوقية، خصوصاً في السعودية، حيث تُعد أكبر سوق للسيارات الصينية في الخليج، وتستحوذ على أكثر من 50% من مبيعاتها في المنطقة، فقد بلغ عدد السيارات الصينية المستوردة أكثر من 200 ألف وحدة في 2022، وشهدت السنوات الخمس الماضية دخول أكثر من 20 علامة صينية، بدعم من بنية لوجستية قوية، وشراكات استثمارية محلية، ومبادرات في التصنيع والتجميع.
العلامات الصينية، مثل شانجان، جيلي، إم جي، وهافال نجحت في كسب ثقة المستهلك السعودي، لا سيما فئة الشباب، عبر طرازات موائمة للبيئة الحارة، وخدمات ما بعد البيع محسّنة، وتُشير إحصاءات اللجنة الوطنية لوكلاء السيارات إلى أن نحو 40% من السعوديين يفضلون حالياً السيارات الصينية، وهو مؤشر على تحوّل ثقافي واقتصادي كبير في السوق.
كما تلعب السعودية دوراً لوجستياً بارزاً في إعادة تصدير السيارات الصينية إلى أسواق مجاورة، وتسعى لتوطين جزء من سلسلة القيمة عبر بناء مصانع تجميع واتفاقيات مع علامات مثل BYD وSkyworth وBeyonCa.
مبيعات السيارات الصينية في السعودية: نمو ثابت وحضور متصاعد
تشهد المملكة العربية السعودية نمواً مستمراً في مبيعات السيارات الصينية، مما يعكس تحولاً تدريجياً في تفضيلات المستهلك المحلي، ففي عام 2024، وصلت مبيعات السيارات الصينية إلى نحو 107,339 وحدة، أي ما يمثل 12.8% من إجمالي السوق السعودي، مقارنة بـ 96,504 سيارة تم بيعها في 2023، وهو ما يعكس نمواً سنوياً يقترب من 11%.
خلال الربع الأول من عام 2024، تم بيع 31,112 سيارة صينية، بزيادة قدرها 11.3% عن نفس الفترة من عام 2023، والتي شهدت بيع 27,965 سيارة، ويُظهر ذلك استمرارية الطلب وارتفاع مستوى القبول لدى المستهلك السعودي، لا سيما في فئة السيارات الاقتصادية والعائلية.
وفي نظرة على النصف الأول من عام 2023، استحوذت السيارات الصينية على نحو 14% من إجمالي مبيعات السوق، بواقع 47,151 سيارة من أصل حوالي 348,134 سيارة بيعت في المملكة خلال تلك الفترة، كما تحتفظ السعودية بموقع الريادة خليجياً في هذا المجال، حيث بلغت حصتها من إجمالي مبيعات السيارات الصينية في دول مجلس التعاون نحو 52.34% خلال الفترة من يناير إلى سبتمبر 2023، بعدد سيارات بلغ حوالي 66,882 وحدة، وهذا التمركز يعزز من دور المملكة كمحور رئيسي في استهلاك وتوزيع السيارات الصينية في المنطقة.
إعادة تشكيل القمة: صعود BYD يغيّر خريطة المنافسة العالمية
تشير بيانات مبيعات السيارات عالمياً إلى تغيرات لافتة في ترتيب مبيعات العلامات العالمية للسيارات خلال عام 2024، فرغم احتفاظ تويوتا بالمركز الأول عالمياً بمبيعات بلغت 9.09 مليون سيارة، فقد شهدت العلامة اليابانية تراجعاً طفيفاً في حصتها السوقية بنسبة 0.7%، لتستقر عند 10.7%.
في المركز الثاني جاءت فولكس فاجن بمبيعات وصلت إلى 4.93 مليون سيارة، محتفظة بموقعها التقليدي دون تغييرات كبيرة، لكن الحدث الأبرز كان الصعود السريع لشركة بي واي دي الصينية إلى المركز الثالث، بمبيعات بلغت 3.80 مليون سيارة، محققة نمواً سنوياً قوياً نسبته +41.6%، لتقفز بذلك 6 مراكز دفعة واحدة مقارنة بالعام السابق.
اللافت أن BYD، رغم كونها رائدة في مجال السيارات الكهربائية، لا تزال تبيع طرازات تعمل بمحركات احتراق داخلي، والتي تشكل أكثر من نصف إجمالي مبيعاتها، ما يمنحها مرونة في التوسع عبر مختلف الأسواق، ومن المثير أيضاً أن الشركة كانت في المرتبة 49 عالمياً فقط في عام 2019، ما يعكس تسارعاً غير مسبوق في الأداء والنمو خلال فترة قصيرة.
تصفح سيارات بي واي دي للبيع في السعودية
الرسوم الأوروبية على المركبات الكهربائية الصينية
على وقع التوترات التجارية المتصاعدة بين الصين وأوروبا، صوتت المفوضية الأوروبية على فرض رسوم جمركية تقدّر بنحو 36.3% على السيارات الكهربائية القادمة من الصين، ويُقرأ هذا القرار كأداة لكبح اندفاع العلامات الصينية، وفي القلب منها BYD، نحو الصدارة العالمية، وقد عارضت ألمانيا هذا التوجه، لأسباب متعلقة بالارتباط الوثيق لسوق الصين الضخم مع سيارات ألمانية مثل BMW ومرسيدس وأودي وغيرها، ما يجعل أي تصعيد جمركي قضية معقدة تتداخل فيها مصالح متعددة.
لماذا تتفوق الصين؟ دوافع الهيمنة ومقوماتها
في قلب هذا التحول العالمي المتسارع، لا يعود تفوق السيارات الصينية إلى عامل واحد فقط، بل إلى مزيج استراتيجي من المقومات الهيكلية والقرارات المدروسة التي جعلت من الصين رقماً صعباً في معادلة صناعة السيارات الحديثة:
اقتصاد الحجم وتوافر الموارد
يمتلك السوق الصيني قدرة استيعابية هائلة تتيح للشركات تحقيق جدوى اقتصادية لإنتاج طرازات عديدة بكميات ضخمة، وهذه الميزة تضغط كلفة التطوير والوحدة وتسمح بتسعير تنافسي دولياً، إضافة إلى ذلك، يتمتع المصنعون الصينيون بتوافر خامات الإنتاج، خصوصاً مكونات المركبات الكهربائية والبطاريات، ما يقلل الاعتماد على سلاسل إمداد خارجية ويعزز المرونة في مواجهة التقلبات.
الاندماجات والاستحواذات والشراكات العابرة للقارات
نجحت الشركات الصينية في إبرام صفقات استحواذ وحصص في شركات أوروبية، بالإضافة إلى إنشاء مشروعات مشتركة في مجالات المحركات والتقنيات الحديثة، وأحدث الأمثلة تعلنها “شيري” عبر مشروع مشترك مع جاكوار ولاند روفر لإنتاج طرازات مميزة في الصين، كما أقامت كيانات مثل جيلي وشيري وفاو وبي واي دي وشانجان شراكات متعددة مع شركات أوروبية ويابانية لاكتساب خبرة في الابتكار والتسويق والإنتاج، فهذه الروابط نقلت المعرفة، ووفرت تقنيات أساسية، ومهّدت لبناء قواعد المنتجات بسرعة وكفاءة.
ثورة التصميم: كيف تغيّرت هوية السيارات الصينية؟
عانت الطرازات الصينية سابقاً من تصميمات شكلية أقل جاذبية مقارنة بمنافسيها الغربيين، لكن التحول الكبير حدث عندما بدأت الشركات الصينية باستقطاب أبرز المصممين العالميين لإعادة صياغة لغة التصميم، والنتيجة كانت طرازات معاصرة بهوية بصرية قوية، ودقة في التفاصيل، وتوازن بين الطابع الرياضي والوظيفي، جعلت السيارات الصينية تتفوق في جذب فئات الشباب والعائلات على حد سواء.
أبرز المصممين العالميين الذين انتقلوا إلى الشركات الصينية
- ولفجانج إيجر (Wolfgang Egger): رئيس قسم التصميم في BYD منذ 2017، قادم من تجارب مع أودي ولامبورجيني وألفا روميو وسيات ولانشا وفولكس فاجن، وأشرف على تصميم طرازات BYD Seal وDolphin الكهربائية التي تغزو أسواقاً دولية عدة بهوية أنيقة وتفاصيل معاصرة.
- كلاوس جانسن (Klaus Zyciora): يقود فريق تصميم شانجان منذ 2023، ويسهم في تشكيل لغة التصميم المستقبلية للعلامة، بما في ذلك الماركات الفرعية الكهربائية مثل Avatr وDeepal، وسبق له أن صمّم فولكس فاجن جولف MK7 وMK8 خلال فترة عمله الممتدة بين 2007 و2023.
- شتيفان زيلاف (Stefan Sielaff): يقود تصميمات جيلي منذ 2021، ويشرف على المشروعات الجديدة بعد خبرة واسعة في فولكس فاجن وبنتلي وأودي ودايملر، انعكس ذلك على التطور الملحوظ لطرازات جيلي وقدرتها على اختراق أسواق أوروبية.
- بونتوس فونتايوس (Pontus Fontaeus): انضم إلى GAC عام 2017، وأثرى هوية العلامة بتصميمات رياضية جريئة. يُعد مصمم سيارة VOLVO V40 بعد عمله في فولفو بين 2007 و2010، قادماً من تجارب في كيا وفولكس فاجن ورينو وجنرال موتورز.
- أندرو دايسون (Andrew Dyson): انتقل عام 2021 من رئاسة قسم التصميم في أوبل الألمانية إلى هافال وباقي علامات جريت وول، مساهماً في رسم ملامح طرازات العلامة وتطوير هويتها التجارية.
لماذا يختار الخليجيون السيارات الصينية؟
يشير خبراء خليجيون إلى أن السيارات الصينية توفر مواصفات تقترب مما تقدمه العلامات الألمانية والأمريكية، بينما تأتي بأسعار قد لا تتجاوز ربع سعر الألمانية، وأقل بنحو 35% من اليابانية، ومع ميل المستهلك الخليجي إلى استبدال سيارته بعد خمس إلى سبع سنوات، يجد كثيرون أن السيارات الصينية تقدم خدمة مقبولة دون مشاكل خلال هذه المدة، خصوصاً مع تراكم خبرات الشركات الصينية في التكيّف مع البيئة المحلية.
- سعر تنافسي جذّاب مقارنة بالألمانية واليابانية.
- تحسّن الجودة بفضل الشراكات الدولية والتقنيات الحديثة.
- تصميمات عصرية تتلاءم مع أذواق الشباب واحتياجات العائلات.
- خدمات ما بعد البيع والتسويق الفعّال في المنطقة.
- ملاءمة للمناخ الخليجي الحار ومتطلبات السلامة.
حجم الاستيراد والحصة الإقليمية
المؤشر | القيمة / التفاصيل |
---|---|
إجمالي السيارات الصينية المستوردة (آخر 5 سنوات) | 648,110 سيارة |
القيمة الإجمالية التقديرية للاستيراد | نحو 36 مليار ريال سعودي |
عدد السيارات الصينية التي أُعيد تصديرها (2019–2023) | حوالي 2,256 سيارة |
القيمة التقديرية لإعادة التصدير | أكثر من 514 مليون ريال سعودي |
تُعد المملكة العربية السعودية أكبر سوق للسيارات الصينية في الخليج، ومن بين أكبر عشرة مستوردين عالمياً، تحظى العلامات الصينية بشعبية واضحة لدى المستهلك السعودي، وخصوصاً الشباب، وذلك بفضل جودة متنامية وتكلفة مناسبة وتصميمات مبتكرة، وإلى جانب ذلك، استطاعت الطرازات الصينية أن تثبت ملاءمتها للمناخ السعودي الحار، وتقديمها لمستويات جيدة في السلامة وأنظمة التكييف.
- أكثر من 200 ألف سيارة صينية استوردتها المملكة في 2022 (نحو ثلث إجمالي وارداتها من السيارات).
- استحوذت السوق السعودية على 52.34% من إجمالي مبيعات السيارات الصينية في الخليج.
- سُجّل نحو 66,882 صفقة سيارات صينية بين يناير وسبتمبر 2023.
- وجود أكثر من 20 علامة صينية في السوق السعودية حالياً.
استثمارات وشراكات تعيد رسم المشهد في المملكة
تشارك مجموعات استثمارية سعودية وصندوق الاستثمارات العامة بفعالية في تطوير العلامات الصينية محلياً، وتكشف اتفاقيات التعاون الأخيرة عن مسار واضح نحو بناء منظومة تصنيع وخدمات داعمة للسيارات الكهربائية والذكية في المملكة:
- في أكتوبر 2023، وقّعت علامة BeyonCa للسيارات الكهربائية الفاخرة مذكرة تفاهم مع مجموعة الفيصلية (AFG) للاستثمار والتعاون الاستراتيجي، وفي اليوم نفسه، عقدت BeyonCa اتفاقية تعاون استراتيجية مع Q Auto لبناء مركز لصناعة السيارات الكهربائية بشكل مشترك.
- في مايو، وقعت شركة سكاي وورث للسيارات اتفاقية إطار تعاون استراتيجي لمدة عشر سنوات مع مجموعة KAG السعودية، تشمل إنتاج سيارات الركاب ومحطات الشحن الفائق ومنتجات الطاقة الجديدة الذكية، مع التخطيط لبناء مصنع تجميع (KD) في المملكة.
- أعلنت أرامكو السعودية في 29 يونيو عن استحواذها على 10% من أسهم شركة Horse Powertrain، وهو مشروع مشترك بين رينو وجيلي في أنظمة الطاقة، يدعم الاستثمار تطوير تقنيات المحركات الداخلية والهجينة، ويعكس الثقة في التكنولوجيا الصينية.
النقل الأخضر واللوجستيات: من الميناء إلى الطريق
يتقدم التعاون السعودي-الصيني في مجالات الطاقة الجديدة والخدمات اللوجستية الخضراء بخطوات عملية، ففي يونيو 2024، أبرمت مجموعة “ساني” اتفاقية بقيمة 1.87 مليار دولار مع “موانئ السعودية العالمية” لتسليم 80 شاحنة كهربائية إلى ميناء الملك عبد العزيز في الدمام، وهي من أكبر صفقات تصنيع وتوريد الشاحنات الكهربائية عالمياً، ويُنتظر لهذا المشروع أن يدعم أهداف النقل الأخضر وتنمية مستدامة للموانئ السعودية.
على صعيد التجزئة، افتتحت BYD في 2024 أول صالة عرض لها في الرياض، وقدمت خمسة نماذج رئيسية استجابة لسياسات الطاقة الجديدة في المملكة، بالتناغم مع مستهدفات مدينة الرياض لبلوغ 30% من السيارات كهربائية بحلول 2030، ومن خلال التكيف مع الاحتياجات المحلية وتقديم منتجات تناسب البيئة والذوق السعودي، تسعى العلامات الصينية إلى ترسيخ وجود طويل الأمد ونموذج نجاح قابل للتوسع إقليمياً.
تحديات محتملة في طريق التوسّع الصيني
رغم الصعود القوي والمتسارع للسيارات الصينية، لا يخلو الطريق من تحديات استراتيجية قد تُبطئ أو تعقّد مسيرة التوسع العالمي، وفيما يلي أبرز هذه التحديات:
الصورة النمطية القديمة وضعف الثقة في الجودة
رغم التحسن الكبير في التصميم والأداء، لا تزال بعض شرائح المستهلكين، خصوصًا في أوروبا وأمريكا، حيث ترتبط في أذهانها صورة نمطية سلبية عن السيارات الصينية، باعتبارها أقل جودة أو قصيرة العمر الافتراضي، والانتقال من فئة “المنتجات الاقتصادية” إلى “علامات ذات موثوقية عالية” يحتاج وقتًا وجهودًا مستمرة في تحسين السمعة، فحتى مع الجودة المرتفعة الحالية، ما زال بعض المستهلكين يفضّلون علامات يابانية أو ألمانية بناءً على تجاربهم السابقة أو على السمعة التاريخية.
العقبات التنظيمية والرسوم الجمركية
مع تنامي قوة السيارات الصينية، تلجأ بعض الدول إلى فرض رسوم وقوانين حماية للحد من هذا التوسع، والمثال الأبرز هو الاتحاد الأوروبي، الذي قرر فرض رسوم تصل إلى 36.3% على السيارات الكهربائية الصينية، فهذه السياسات قد تُقلّص القدرة التنافسية السعرية للعلامات الصينية في الأسواق المتقدمة، وتضعف هوامش الربح أو تضطر الشركات إلى البحث عن طرق للالتفاف مثل التصنيع داخل أوروبا لتفادي الرسوم.
صعوبة اختراق السوق الأمريكية
تُعد الولايات المتحدة من أكبر أسواق السيارات عالمياً، لكنها لا تزال مغلقة فعلياً أمام العلامات الصينية، لأسباب تجارية وسياسية وأمنية، تتعلق بالملكية الفكرية، والبيانات، ومخاوف من النفوذ الصيني، ودخول السوق الأمريكية يتطلب التزاماً صارماً بمعايير السلامة والانبعاثات، إلى جانب كسب ثقة المستهلك الأمريكي الذي يُفضّل عادة علامات محلية أو أوروبية، وهذا الغياب يُفقد الصين حضوراً مهماً في أحد أكثر الأسواق تأثيراً.
الاعتماد المفرط على الدعم الحكومي
اعتمدت شركات صينية كثيرة على دعم مالي وتقني من الحكومة، سواء عبر إعفاءات ضريبية أو تمويل مباشر أو تسهيلات تصدير، لكن هذا النموذج قد لا يكون مستداماً على المدى البعيد، خاصة مع توجه بكين لتقليص هذا الدعم تدريجياً، فتقليص الدعم قد يؤثر على قدرة بعض الشركات الصغيرة أو المتوسطة على البقاء، ويزيد من احتمالات الاندماج أو الانسحاب، كما قد يُضعف الابتكار ويقلّص التوسع العالمي لبعض العلامات.
التحديات التكنولوجية في القيادة الذاتية والبرمجيات
رغم التقدم السريع في تطوير البرمجيات، لا تزال الشركات الصينية تواجه تحديات أمام شركات رائدة مثل Tesla وBMW وMercedes-Benz في مجالات مثل سيارات القيادة الذاتية، وإدارة الطاقة، وتكامل البرمجيات، فقد تشكّل البرمجيات عاملاً حاسماً في مستقبل سوق السيارات، خصوصاً مع التحول نحو المركبات الذكية، وإذا لم تسد الشركات الصينية هذه الفجوة بسرعة، فقد تجد نفسها متأخرة في سباق القيمة المستقبلية للسيارات.
المنافسة الصينية
مع وجود عشرات العلامات الصينية في السوق المحلي والعالمي، يواجه المصنعون بعضهم البعض بمنافسة شرسة على الأسعار والمواصفات، ما يؤدي إلى تآكل الهوامش الربحية وخطر التشبّع، وانخفاض الأسعار بشكل مبالغ فيه لإرضاء السوق أو للاستحواذ على حصة، قد يؤدي إلى تراجع في الجودة أو أرباح غير مستدامة، وتُظهر بعض التحليلات أن السوق الصينية المحلية قد تكون مهددة بـ”فقاعة عرض” إذا لم يتم ضبط وتيرة النمو أو توسيع الأسواق الخارجية بكفاءة.
نظرة مستقبلية حتى 2025 وما بعده: السعودية في قلب التحول
مع استمرار الصعود القوي للسيارات الصينية عالمياً، تبرز المملكة العربية السعودية كمحور استراتيجي في مستقبل صناعة السيارات بالمنطقة، فمن المتوقع أن تتوسع واردات السعودية من الطرازات الصينية بشكل أكبر حتى عام 2025، مدفوعة بعوامل مثل التحول نحو الطاقة الجديدة، وتسارع تبني المركبات الكهربائية، والمزايا السعرية والتقنية التي تقدمها العلامات الصينية.
تسير السعودية بخطى واضحة نحو أن تصبح مركزاً لوجستياً وإنتاجياً إقليمياً للسيارات، عبر استثمارات في التجميع المحلي، وتطوير البنية التحتية لمحطات الشحن، وتوسيع شبكات التوزيع وخدمات ما بعد البيع، وتدفع هذه الديناميكيات الشركات الصينية إلى تعزيز وجودها المباشر في المملكة، سواء عبر افتتاح مصانع تجميع أو شراكات استثمارية مع كيانات سعودية.
على مستوى السياسات، يتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة دعماً حكومياً متزايداً لتوطين صناعة السيارات الكهربائية، ونقل التقنية، وتأهيل الكوادر المحلية، كما يتيح الموقع الجغرافي والربط التجاري القوي للسعودية فرصاً كبيرة لتكون بوابة لتوزيع السيارات الصينية إلى أسواق الخليج وشمال إفريقيا، ضمن منظومة متكاملة من النقل الذكي والخدمات الخضراء.
أسئلة شائعة
كم بلغ حجم واردات السعودية من السيارات الصينية في السنوات الأخيرة؟
استوردت المملكة نحو 648,110 سيارة صينية خلال السنوات الخمس الماضية بقيمة تقديرية تقارب 36 مليار ريال سعودي، كما أصبحت السعودية مركزاً لإعادة التصدير نحو أسواق مجاورة، بقرابة 2,256 سيارة مع قيمة تتجاوز 514 مليون ريال سعودي بين 2019 و2023.
ما أبرز أسباب انتشار السيارات الصينية في الخليج؟
الأسعار المنخفضة قياساً بالألمانية واليابانية، وتحسن الجودة الناتج عن الشراكات الدولية، وتماشي المواصفات مع معايير الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وتصاميم حديثة، وخدمات ما بعد البيع، وملاءمة للمناخ الحار ومتطلبات السلامة المحلية.
كيف تعالج الشركات الصينية تحديات المناخ في السعودية؟
تعمد علامات مثل شانجان إلى تطوير طرازات تتحمل درجات الحرارة المرتفعة، مع أنظمة تكييف فعّالة وضبط حراري للمقصورة والمكوّنات، ما يجعلها أكثر ملاءمة للبيئة المحلية ويعزز تجربة الاستخدام اليومية.
ما دور المصممين الأوروبيين في تغيير هوية السيارات الصينية؟
أسهم انتقال مصممين من مدارس أوروبية عريقة مثل ولفجانج إيجر لدى BYD، وكلاوس جانسن في شانجان، وشتيفان زيلاف في جيلي، وبونتوس فونتايوس في GAC، وأندرو دايسون في جريت وول في صياغة لغة تصميم عصرية جذابة، عالجت مواطن الضعف السابقة وأطلقت طرازات تنافس على الذوق والجودة معاً.
ما الخطوات التي ينبغي اتباعها قبل شراء سيارة صينية في الخليج؟
التأكد من شهادات المطابقة الخليجية، مقارنة الأسعار والمواصفات مع المنافسين، وتقييم شبكة الوكيل وخدمات الصيانة وتوفر القطع، ومراجعة برامج الضمان والتمويل، وتجربة قيادة عملية للطراز المرغوب قبل الحسم.
كيف تؤثر هذه الموجة على العلامات التقليدية؟
تدفع المنافسة الصينية الشركات التقليدية إلى تسريع الابتكار وخفض التكاليف وتحسين خدمات ما بعد البيع، وربما اللجوء إلى اندماجات وتحالفات، ورغم أن الرسوم الجمركية قد تؤخر التحولات جزئياً، فإن الاتجاه العام يشير إلى إعادة تشكيل موازين القوة في المدى القريب.
يبيّن المشهد الراهن أن الصين لا تكتفي بزيادة الإنتاج، بل تعيد تعريف تنافسية صناعة السيارات عالمياً عبر مزيج من اقتصاد الحجم، وتوطين سلاسل الإمداد، وشراكات تقنية عميقة، وثورة تصميم قادها مصممون عالميون، وأرقام 2024 و 2025 تؤكد أن تيار سيارات الطاقة الجديدة يتعاظم، وأن علامات مثل BYD باتت تضغط على الترتيب التقليدي للقمة، وفي الخليج، خصوصاً السعودية، تتجسد القصة في أرقام استيراد قوية، وتفضيل متنامٍ لدى المستهلكين، واستثمارات وشراكات تبني منظومة كاملة من التصنيع إلى اللوجستيات الخضراء.
وفي المقابل، تستنفر الشركات التقليدية أدوات السياسة والتحالفات لمواجهة موجة صينية لا تُظهر مؤشرات على التراجع، وبين المد والجزر، يكسب المستهلك خيارات أكثر ومواصفات أعلى وكلفة أقل، فيما تتجه المنطقة إلى تحول نوعي في التنقل يعانق كهربائية الحركة وذكاء المنظومات، مع دور محوري متنامٍ للسعودية في رسم ملامح المستقبل.